كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وإذ يتحاجون} أي واذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون يعني أهل النار {في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعًا} أي في الدنيا {فهل أنتم مغنون عنا نصيبًا من النار قال الذين استكبروا} يعني الرؤساء والقادة {إنا كل فيها} يعني نحن وأنتم {إن الله قد حكم بين العباد} أي قضى علينا وعليكم {وقال الذين في النار} يعني حين اشتد عليهم العذاب {لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب قالوا} يعني الخزنة {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} يعني لا عذر لكم بعد مجيء الرسل {قالوا بلى} أي اعترفوا بذلك {قالوا فادعوا} يعني أنتم إنا لا نَّدعوا لكم لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب قال الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} يعني يبطل ويضل ولا ينفعهم.
قوله: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا} قال ابن عباس بالغلبة والقهر، وقيل بالحجة وقيل بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة وكل ذلك حاصل لهم فهم منصورون بالحجة على من خالفهم تارة وقد نصرهم الله بالقهر على من عاداهم وأهلك أعداءهم بالانتقام منهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل فإنه قتل به سبعين ألفًا {ويوم يقوم الأشهاد} يعني وننصرهم يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد وهم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} أي إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم {ولهم اللعنة} أي البعد من الرحمة {ولهم سوء الدار} يعني جهنم.
{ولقد آتينا موسى الهدى} يعني النبوة وقيل التوراة {وأورثنا بني إسرائيل الكتاب} يعني التوراة وقيل سائر الكتب المنزلة على أنبيائهم {هدى وذكرى لأولي الألباب} قوله تعالى: {فاصبر} أي يا محمد على أذاهم {إن وعد الله حق} أي في إظهار دينك وإهلاك أعدائك قال الكلبي نسخت آية القتال آية الصبر {واستغفر لذنبك} يعني الصغائر وهذا على قول من يجوزها على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل يعني على ترك الأولى والأفضل وقيل على ما صدر منه قبل النبوة وعند من لا يجوز الصغائر على الأنبياء يقول هذا تعبد من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليزيده درجة ولتصير سنة لغيره من بعده وذلك لأن مجامع الطاعات محصورة في قسمين التوبة عما لا ينبغي، والاشتغال بما ينبغي والأول مقدم وهو التوبة من الذنوب والثاني الاشتغال بالطاعات وهو قوله تعالى: {وسبح بحمد ربك} أي نزه ربك عما لا يليق بجلاله وقيل صل شاكرًا لربك {بالعشي والإبكار} يعني صلاة العصر وصلاة الفجر وقال ابن عباس الصلوات الخمس {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} يعني كفار قريش {إن في صدورهم} يعني ما في قلوبهم {إلا كبر} قال ابن عباس ما حملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة {ما هم ببالغيه} يعني ببالغي مقتضى ذلك الكبر وقيل معناه إن في صدورهم إلا كبر على محمد صلى الله عليه وسلم وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك وقيل نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا قال الله تعالى: {فاستعذ بالله} أي من فتنة الدجال {إنه هو السميع} يعني لأقوالهم {البصير} يعني بأفعالهم.
قوله: {لخلق السموات والأرض} يعني مع عظمهما {أكبر من خلق الناس} أي من إعادتهم بعد الموت والمعنى أنهم مقرون أن الله تعالى خلق السموات والأرض وذلك أعظم في الصدور من خلق الناس فكيف لا يقرون بالبعث بعد الموت {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني أن الكفار لا يعلمون حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها، وقال قوم معنى أكبر من خلق الناس أي أعظم من خلق الدجال ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجال.
فصل في ذكر الدجال:
م عن هشام بن عروة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال» معناه أكبر فتنة وأعظم شوكة من الدجال.
ق عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال «إنه أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافئة» ولأبي داود والترمذي عنه قال قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال «إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور».
ق عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من نبي إلا وقد أنذر قومه الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر» وفي رواية لمسلم «بين عينيه كافر ثم تهجى ك ف ر ويقرؤه كل مسلم» عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال، فقال «إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف ولا ضرس من البهائم إلا هلكت ومن أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أني ربك قال: فيقول: بلى، فيتمثل الشيطان نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعًا وأعظمه أسنمة ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أخاك وأباك ألست تعلم أني ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو أخيه ونحو أبيه قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغمّ مما حدثهم قالت وأخذ بلحمتي الباب فقال مهيم أسماء فقلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن، قالت أسماء: فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينًا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ، قال: يجزيهم ما يجزىء أهل السماء من التسبيح والتقديس» وفي رواية عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم «يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار» هذا حديث أخرجه البغوي بسنده والذي جاء في صحيح مسلم قال قلنا يا رسول الله ما لبثه في الأرض قال «أربعون يومًا يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم هذه قلنا يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة أتكفينا له صلاة يوم قال لا أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال كالغيث استذرته الريح» وفي رواية أبي داود عنه «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته وفيه ثم ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله».
ق عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارًا، فأما الذي يرى الناس أنه نار فماء بارد والذي يرى الناس أنه ماء فنار محرقة فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنه نار فإنه ماء عذب بارد».
ق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء بمثال الجنة ولنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر نوح قومه».
ق عن المغيرة بن شعبة قال ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي «ما يضرك قلت إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك» عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من سمع بالدجال فلينأ منه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به الشبهات أو قال لما يبعث به من الشبهات» أخرجه أبو داود.
ق عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس نقب من نقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل السبخة ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق».
م عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهناك يهلك» عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الدجال يخرج بأرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة» أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن غريب.
م عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة» عن مجمع بن جارية الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يقتل ابن مريم الدجال بباب لد» أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
قال الشيخ محيي الدين النووي: قال القاضي عياض هذه الأحاديث التي وردت في قصة الدجال حجة للمذهب الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى به عباده فأقدره على أشياء من المقدورات من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره وإتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت ويقع كل ذلك بقدرة الله تعالى وفتنته ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى ابن مريم عليه السلام ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء خلافًا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافًا للجبائي المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الأشياء التي يأتي بها زعموا أنها مخاريق وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنها لو كانت حقًا لضاهت معجزات الأنبياء وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الربوبية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل لا يغتر به إلا عوام من الناس لشدة الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو خوفًا من فتنته لأن فتنته عظيمة جدًّا تدهش العقول وتحير الألباب ولهذا حذرت الأنبياء من فتنته فأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون بما معه لما سبق من العلم بحاله ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه ما ازددت فيك إلا بصيرة.
قوله: {وما يستوي الأعمى والبصير} أي الجاهل والعالم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} أي لا يستوون {قليلًا ما تتذكرون إن الساعة} يعني القيامة {لآتية لا ريب فيها} أي لا شك في قيامها ومجيئها {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت، قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر «الدعاء هو العبادة ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يسأل الله يغضب عليه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب عن أنس بن مالك قال «الدعاء مخ العبادة» أخرجه الترمذي وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب؛ فإن قلت كيف قال ادعوني أستجب لكم وقد يدعو الإنسان كثيرًا فلا يستجاب له، قلت الدعاء له شروط منها الإخلاص في الدعاء وأن لا يدعو وقلبه لاه مشغول بغير الدعاء وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان وأن لا يكون فيه قطيعة رحم فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقًا بالإجابة فإما أن يعجلها له وإما أن يؤخرها له يدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له به في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وقيل الدعاء هو الذكر والسؤال {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي عن توحيدي وقيل دعائي {سيدخلون جهنم داخرين} أي صاغرين ذليلين.
قوله: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} أي لتحصل لكم الراحة فيه بسبب النوم والسكون {والنهار مبصرًا} أي لتحصل لكم فيه مكنة التصرف في حوائجكم ومهماتكم {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم} أي ذلكم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو الله ربكم {خالق كل شيء لا إله إلا هو} أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق الأشياء كلها وأنه لا شريك له في ذلك {فأنى تؤفكون} أي فأنى تصرفون عن الحق {كذلك} أي كما أفكنتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك {يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا} أي فراشًا لتستقروا عليها وقيل منزلًا في حال الحياة وبعد الموت {والسماء بناء} أي سقفًا مرفوعًا كالقبة {وصوركم فأحسن صوركم} أي خلقكم فأحسن خلقكم قال ابن عباس خلق ابن آدم قائمًا معتدلًا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه {ورزقكم من الطيبات} قيل هو ما خلق الله تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب {ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي} وهذا يفيد الحصر أي لا حي إلا هو فوجب أن يحمل ذلك على الذي يمتنع أن يموت امتناعًا تامًا ثابتًا وهو الله تعالى الذي لا يوصف بالحياة الكاملة إلا هو، والحي هو المدرك الفعال لما يريد وهذه إشارة إلى العلم التام والقدرة التامة ولما نبه على هذه الصفات نبه على كمال الوحدانية بقوله: {لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} أي فادعوه واحمدوه، قال ابن عباس من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين} وذلك حين دعي إلى الكفر أمره الله تعالى أن يقول ذلك.
قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من تراب} يعني أصلكم آدم وقيل يحتمل أن كل إنسان خلق من تراب لأنه خلق من النطفة وهي من الأغذية والأغذية من النبات والنبات من التراب {ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلًا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخًا} يعني أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث الطفولية وهي حالة النمو والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيوخة {ومنكم من يتوفى من قبل} أي من قبل أن يصير شيخًا {ولتبلغوا} أي جميعًا {أجلًا مسمى} أي وقتًا محدود لا تجاوزونه يعني أجل الحياة إلى الموت {ولعلكم تعقلون} أي ما في هذه الأحوال العجيبة من القدرة الباهرة الدالة على توحيده وقدرته {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} أي يكونه من غير كلفة ولا معاناة ولا تعب وكل ذلك من كمال قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من الأفعال الدالة على قدرته كأنه قال من الاقتدار إذا قضى أمرًا كان أهون شيء وأسرعه.
قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله} يعني القرآن {أنى يصرفون} أي عن دين الحق وقيل نزلت في القدرية.
{الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون} فيه وعيد وتهديد ثم وصف ما أوعدهم به فقال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون} يعني يجرون بتلك السلاسل {في الحميم ثم في النار يسجرون} يعني توقد بهم النار {ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله} يعني الأصنام {قالوا ضلوا عنا} أي فقدناهم فلم نرهم {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئًا} قيل إنهم أنكروا عبادتها، وقيل لم نكن ندعوا شيئًا ينفع ويضر، وقيل ضاعت عبادتنا لها فكأنا لم نكن ندعو من قبل شيئًا {كذلك يضل الله الكافرين} أي كما أضل هؤلاء {ذلكم} أي العذاب الذي نزل بكم {بما كنتم تفرحون} أي تبطرون وتأشرون {في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} أي تختالون وتفرحون به {ادخلوا أبواب جهنم} يعني السبعة {خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} يعني عن الإيمان.
قوله تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي بنصرك على الأعداء {فإما نرينك بعض الذي نعدهم} أي من العذاب في حياتك {أو نتوفينك} أي قبل أن يحل ذلك بهم {فإلينا يرجعون ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك منهم من قصصنا عليك} أي خبره وحاله في القرآن {ومنهم من لم نقصص عليك} أي لم نذكر لك حال الباقين منهم وليس منهم أحد إلا أعطاه الله تعالى آيات ومعجزات، وقد جادله قومه وكذبوه فيها وما جرى عليهم يقارب ما جرى عليك فصبروا وهذا تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} يعني بأمره وإرادته {فإذا جاء أمر الله} أي قضاؤه بين الأنبياء والأمم {قضي بالحق} يعني بالعدل {وخسر هنالك المبطلون} يعني الذين يجادلون في آيات الله بغير حق وفيه وعيد وتهديد لهم.
قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع} أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها {ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} أي تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد في أسفاركم وحاجاتكم {وعليها وعلى الفلك تحملون} أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر {ويريكم آياته} أي دلائل قدرته {فأي آيات الله تنكرون} يعني أن هذه الآيات التي ذكرها ظاهرة باهرة فليس شيء منها يمكن إنكاره.
قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارًا في الأرض} يعني مصانعهم وقصورهم والمعنى لو سار هؤلاء في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة هؤلاء المنكرين المتمردين الهلاك والبوار مع أنهم كانوا أكثر عددًا وأموالًا من هؤلاء {فما أغنى عنهم} أي لم ينفعهم {ما كانوا يكسبون} أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا} أي رضوا {بما عندهم من العلم} قيل هو قولهم لن نبعث ولن نعذب وقيل هو علمهم بأحوال الدنيا سمي ذلك علمًا على ما يدعونه ويزعمونه وهو في الحقيقة جهل {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا} أي عذابنا {قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين} أي تبرأنا مما كنا نعدل بالله {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده} يعني أن سنة الله قد جرت في الأمم الخالية بعدم قبول الإيمان عند معاينة البأس وهو العذاب يعني بتلك السنة أنهم إذا رأوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب {وخسر هنالك الكافرون} يعني بذهاب الدارين قيل الكافر خاسر في كل وقت ولكنه يتبين خسرانه إذا رأى العذاب والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.